فى الذكري 105 لمولده :(2-2) عبد الناصر والمؤسسات الدينية

بقلم / د. رفعت سيد أحمد

* حرص عبد الناصر على ترجمة نظريته لوظيفة الدين إلى قراءات وقوانين وإنشاء مؤسسات جديدة بعد إلغاء القديمة

* أنشأ النظام الناصرى المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ، وألغى التقاضى أمام المحاكم الشرعية والمجالس الملية القبطية لتأكيد سيادة الدولة الوطنية مع وحدة النظام القانونى

* فى العهد الناصرى المتهم بالعداء للإسلام تم فى شهر واحد (يوليو 1960) توزيع 4 ملايين نسخة من المطبوعات الإسلامية مع 8 آلاف نسخة من القرآن المرتل و700 ألف اسطوانة صلاة فى بلاد العالم الإسلامى مع إصدار موسوعة جمال عبد الناصر للفقه الإسلامى

* على أيدى عبد الناصر فى الستينات انتشر الدور الإسلامى لمصر فى العالم ، وزاد تأثيره

* كان لعبد الناصر ، ولثورة يوليو ، رؤية متقدمة للإسلام ، طبيعة ودوراً ، وأثبتت الدراسات والوثائق الناصرية ذلك ، ولكن كيف ترجمت (الناصرية) هذه الرؤية فى الواقع المصرى إبان الخمسينات والستينات ؟ ذلك ما تجيب عليه السطور القادمة .

* يحدثنا التاريخ أن النظام السياسى الناصرى ، قبل وأثناء وبعد صدامه الأول (1954) والثانى (1965) مع الاخوان المسلمين الذين مثلوا وبحق وعن تجربة  فعلية (دواعش  ..زمن عبدالناصر ) كانت له استراتيجية دينية (إن جازت العبارة) فى التعامل مع المؤسسات الدينية الكبرى كالأزهر والكنيسة والطرق الصوفية ، استراتيجية تقوم على الاحتواء والتطوير ، وتوازى مع هذه الاستراتيجية قيام النظام بإلغاء بعض القوانين والهيئات من قبيل إصداره للقانون رقم 462 لسنة 1955 الخاص بإلغاء المحاكم الشرعية والمجالس الملية القبطية ، وقانون إعادة تنظيم الأزهر رقم 603 لسنة 1961 وأخيراً قانون إلغاء الوقف الأهلى عام 1955 الذى تم تبريره بدعوى استثمار الامكانات والأراضى غير المستغلة ، وتحويلها إلى أعمال التنمية وخاصة مشاريع الإسكان والبنوك وغيرها .

إنشاء مؤسسات جديدة :د

ومع تطور الأوضاع السياسية والاجتماعية ظهرت وظائف جديدة ومهام جديدة شعر النظام السياسى أن المؤسسات الدينية القائمة غير قادرة على الوفاء بها ، ومن ثم استلزم الأمر إنشاء هيئات مستحدثة للوفاء بها ، من أول هذه الهيئات / المؤتمر الإسلامى الذى أنشىء بعد لقاء عبد الناصر بالملك سعود عام 1954 ، واختير أنور السادات سكرتيراً عاماً له ، وكان من نشاطه توثيق العلاقات بين مصر والمنطقة العربية والإسلامية وتأكيد البعد الإسلامى فى سياسة مصر الخارجية وفى مواجهة سياسة الأحلاف التى كانت قد بدأت فى الظهور بعد ذلك على شكل حلف بغداد .

ثم أنشىء المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فى عام 1960 وامتد نشاطه إلى جميع أرجاء العالم الإسلامى والوطن العربى بهدف التعريف بالإسلام وإحياء التراث الإسلامى وقد نشر المجلس موسوعة جمال عبد الناصر للفقه الإسلامى وأصدر سلسلتين شهرياً الأولى (دراسات فى الإسلام) ، والثانية (كتب إسلامية) ، كما أصدر أيضاً مجلة شهرية باسم (منبر الإسلام) باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والأسبانية ولقد جمع المجلس القرآن جمعاً صوفياً ، وأوفد بعثات الوعظ والإرشاد وتعليم اللغة العربية وساهم فى إنشاء المراكز الإسلامية فى أماكن عدة من العالم .

وابتداء من يونيو عام 1960 وحتى يوليو 1960 – فقط تم توزيع أربعة ملايين نسخة من المطبوعات على العالم الإسلامى وثمانية آلاف نسخة من القرآن المرتل وسبعمائة ألف اسطوانة صلاة فضلاً عما تم توزيعه داخل البلاد ” وتم تقسيم المجلس الأعلى للشئون الإسلامية إلى عدة لجان هى : لجنة التعريف بالإسلام ، ولجنة إحياء التراث الإسلامى ولجنة الخبراء ثم لجنة احياء مصادر وكتب السنة ، فاللجنة العلمية للقرآن والسنة وأخيراً لجنة تجديد مبادىء الشريعة الإسلامية .

من الناحية السياسية استخدمت الدولة المجلس لأداء دورين : أولهما : أن يكون بمثابة اللسان الإسلامى باسم الثورة فى الخارج والقيام بوظيفة اتصالية وإعلامية بين الثورة والبلاد الأخرى، وثانيهما : إضفاء التبرير الإسلامى على أنشطة الدولة داخلياً ، لذلك كان المجلس يخضع بشكل مباشر لرئاسة الجمهورية ، ولم يكن انتماؤه لوزارة الأوقاف إلا اسماً ، ولعل فى تولى أحد الضباط الأحرار وأحد أعضاء مجلس قيادة الثورة لرئاسة المجلس ما يشير إلى دلالته السياسية الرسمية ، كما تتبدى الأهمية السياسية لهذا المجلس فى الكتب والمؤلفات الإسلامية والسياسية التى أصدرها ، والتى عبرت عن الطبيعة الفكرية التى سيطرت على المجلس فى هذه الفترة من فترات المد الثورى ، وهذا يدلل على كيفية استخدام النظام السياسى للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية كأداة سياسية تخدم أهدافه التحديثية والثورية .

3 – التوجيه السياسى للمؤسسات القائمة ، فقامت الدولة بهذا الدور مع الطرق الصوفية – التى سيرد الحديث عنها فى المبحث الثالث – ومع البرامج الدينية فى ميادين الثقافة وأجهزة الإعلام وأيضاً إعادة التوجيه الفكرى لأئمة المساجد وخاصة فى خطب الجمعة من خلال وزارة الأوقاف ، فبالنسبة للبرامج الدينية فى ميادين الثقافة وأجهزة الإعلام فقد تمت على مستوى الإذاعة الدينية ومستوى المجلات والجرائد والنشرات ، ثم على مستوى المحاضرات والاجتماعات الدينية الرسمية ، فقامت الدولة بإنشاء محطة خاصة بالقرآن الكريم بدأت إرسالها فى 31/3/1964 ، واستمر معدل ارسالها من 64/1965 حتى 66/1967 بمعدل 14 ساعة يومياً ، كما أذيعت برامج دينية خاصة ، وشارك المسئولون فى الأعياد وصلوات الجمعة فى المناسبات الدينية كعيد الفطر وعيد الأضحى والمولد النبوى الكريم وفى الاحتفالات والمواكب الرسمية .

********* 

 كما قام النظام الناصري  بإنشاء دور القرآن وعلى مستوى الدوريات والنشرات ساهم النظام السياسى فى خلق ما يمكن تسميته بالقطاع العام الثقافى حيث أنشىء عديد من دور النشر التى تولت نشر التراث الإسلامى كالدار القومية للطباعة والنشر ، كما خصصت الصحف اليومية صفحات خاصة للدين من كل أسبوع وهو التقليد الذى استمر بعد ذلك .

وعلى مستوى الاجتماعات الدينية الرسمية قام مكتب الشئون الدينية بالاتحاد الاشتراكى العربى بمهمة مماثلة ، وتمثلت فى اعداد البحوث المختلفة عن العلاقة بين الدين والاشتراكية من النواحى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية حتى يقتنع كل فرد بأن الاشتراكية لا تتنافى مع تعاليم الإسلام ، وكذلك التصدى لمن يستخدمون الدين فى نقد التطورات الثورية التى أحدثها النظام الناصرى .

وفى مجال النشاط السياسى الثوري  – أيضاً – كان المكتب يعقد اجتماعات أسبوعية مع علماء الإسلام من مفتشى المساجد وأئمتها ورجال الوعظ والإرشاد ومشايع أروقة البحوث الإسلامية والمهتمين بالمسائل الدينية من أساتذة الجامعات وغيرهم من العلماء والمثقفين ورجال الدين المسيحى وذلك لشرح المفاهيم الاشتراكية والتنموية والرد على معارضيها ، كما كان المكتب يعقد اجتماعات عامة بأكبر عدد ممكن من علماء المسلمين ورجال الدين المسيحى ، بالإضافة إلى عدة اتصالات فردية عن طريق زيارات لكبار رجال الأزهر والأوقاف والبطريركية القبطية وبعض الجمعيات الإسلامية واتجه المكتب إلى تنظيم المحاضرات وتوزيع النشرات التى تربط بين الدين وقضايا المجتمع بوجه عام ، وكان يركز على المناسبات الدينية الهامة لتنظيم هذه المحاضرات .

أما بالنسبة للتوجيه الفكرى لأئمة المساجد فيلاحظ فى الفترة الناصرية زيادة اهتمام الدولة بإنشاء المساجد التى وصل عدد ما أنشىء منها بعد قيام الثورة من خلال وزارة الأوقاف إلى 1500 مسجد جديد ، وفى مجال التوجيه السياسى للأئمة قامت الوزارة بإرسال نماذج من الخطب الدينية إلى أئمة المساجد بهدف الإشراف الفكرى على دور العبادة بحكم تأثيرها المباشر على قطاعات عريضة من المواطنين وكان يغلب على هذه الخطب نوعان من الموضوعات : الموضوعات التقليدية مثل الطهارة ، والصلاة والإيمان ، والموضوعات السياسية ذات الصلة بالمعارك السياسية وقضايا التنمية التى يواجهها المجتمع .

واتجهت الإدارة العامة للدعوة بوزارة الأوقاف أيضاً إلى إصدار سلسلة دينية باسم (مكتبة الإمام )تتضمن نماذج من خطب الجمعة المذاعة ونشرات الدعوة الدينية كما أصدرت الوزارة عدة نشرات عن العدالة والمساواة فى الإسلام وتعبئة جميع القوى لإحراز النصر ، وقداسة العمل فى الإسلام وتأمين حقوق العاملين والإسلام والعلم ، كما قامت الوزارة بإصدار نشرات خاصة أخرى عن الثورة فى الإسلام وعن الشورى ومن الملاحظ زيادة الموضوعات ذات الطبيعة الثورية فى الفترة من 1958 حتى 1967 ، وامتلأت نشرات وزارة الأوقاف ونشرة الاشتراكى التى كانت تصدر عن أمانة الدعوة والفكر بالاتحاد الاشتراكى بهذا النمط من الموضوعات الدينية ، ولكن بعد عام 1967 غلبت على الخطب والتوجيهات الخاصة بها سمة الروحانية والاعتدال ووجود نوع من النقد الذاتى للمرحلة السابقة ، وغيرها من المفاهيم العامة التى تأثرت بأحداث الهزيمة .

ويتضح من هذا العرض للخصائص العامة التى ميزت سياسة الدولة تجاه المؤسسات الدينية الرسمية أن هذه السياسة تراوحت بين إلغاء بعض هذه المؤسسات وتطوير البعض الآخر ، ثم إنشاء مؤسسات جديدة،وأخيراً توجيه أدوات الإعلام المختلفة بما يتمشى مع التوجهات الداخلية والخارجية للنظام وهى الصورة التى تتضح أكثر بتفصيل كل ما سبق فى المحاور التالية :

الأول : قانون إلغاء المحاكم الشرعية والمجالس الملية .

الثانى : قانون تطوير الأزهر رقم 603 لسنة 1961

الثالث : علاقة النظام السياسى بالطرق الصوفية  والتي غلب عليها التعاون والاهتمام المشترك بقضايا الدولة وصراعها مع الاخوان وإسرائيل .

*****

إلغاء المحاكم الشرعية والمجالس الملية القبطية

ترتب على الرغبة فى التجديد لدى النظام السياسى فى مصر خلال السنوات الأولى من الفترة موضوع البحث مجموعة من التحولات السياسية والاجتماعية الهامة والتى كان منها إلغاء المحاكم الشرعية والمجالس الملية القبطية بالقانون رقم 462 لسنة 1955 وإحالة الدعاوى التى تكون منظورة أمامها إلى المجالس الوطنية وذلك تأكيداً لمفهوم التكامل القومى ولتذويب عدد من المؤسسات التقليدية التى كانت تعوق عملية التوحد القومى ، بين الطائفتين الرئيسيتين فى المجتمع المصرى : المسلمين والأقباط ، ولقد صدر القانون فى سبتمبر عام 1955 عن مجلس قيادة الثورة ، وسوف يتم تناوله فى بندين أولهما يتصل بتحليل لمضمون القانون وثانيهما بالتبرير الرسمى له :

1 – تحليل القانون : يمكن تحليل القانون من خلال ثلاث زوايا ، الزاوية الأولى : وتتعلق بعملية الإحالة للقضايا القديمة التى كانت منظورة أمام هذه المحاكم والتى تنتهى فاعليتها فى نهاية ديسمبر 1955 ، فلقد رتب نص الإلغاء للمحاكم الشرعية والمجالس المالية فى المادة 1 من القانون ضرورة أن تحال الدعاوى التى تكون منظورة أمام محكمة الاستئناف الوطنية التى تقع فى دائرتها المحكمة الابتدائية التى أصدرت الحكم المستأنف إلى محكمة وطنية وتؤكد هذا أيضاً مادة 2 منه .

كذلك تحال – وفقاً للمادة 3 – القضايا التى تكون منظورة أمام المحاكم الكلية الى المحكمة الابتدائية الوطنية المختصة وتحال الدعاوى المنظورة أمام المحاكم الجزئية الشرعية أو الملية إلى المحاكم الجزئية أو الابتدائية الوطنية المختصة ، أى أن الاختصاص الذى ترفع إليه هذه الدعاوى يصير إلى المحاكم الوطنية ابتداء من أول يونيو 1956 (مادة 3) .

أما الزاوية الثانية : فتتصل بأحكام نظام المرافعات واختصاصات المحاكم الوطنية فبالنسبة لأحكام قانون المرافعات نص القانون على ضرورة اتباع ذات الإجراءات المتعلقة بمسائل الأحوال الشخصية والوقف التى كانت من اختصاص المحاكم الشرعية أو المجالس الملية عدا الأحوال التى وردت بشأنها قواعد خاصة فى لائحة ترتيب المحاكم الشرعية أو للقوانين الأخرى المكملة لها (مادة 5) .

وبالنسبة لأحكام المنازعات فينص القانون (مادة 6) على أن تصدر الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية والوقف التى كانت أصلاً من اختصاص المحاكم الشرعية طبقاً لما هو مقرر فى المادة 280 من ترتيب المحاكم المذكورة ، وبالنسبة للمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية للمصريين غير المسلمين والمتحدى الطائفة والملة الذين لهم جهات قضائية ملية منظمة وقت صدور هذا القانون فتصدر الأحكام فى نطاق النظام العام طبقاً لشريعتهم ويفصل القانون هذا الجانب من فض المنازعات والمتعلق بغير المسلمين بقوله : ” لا يؤثر فى تطبيق الفقرة الثانية من المادة المتقدمة تغيير الطائفة أو الملة بما يخرج أحد الخصوم عن وحدة طائفية إلى أخرى أثناء سير الدعوى إلا إذا كان التغيير إلى الإسلام فتطبق الفقرة الأولى من المادة السادسة من هذا القانون (مادة 7) .

ويفصل القانون اختصاص المحاكم الجزئية الوطنية بنصه فى (مادة 8) على أن هذه المحاكم تختص بالمنازعات المتعلقة بالأحوال الشخصية طبقاً لما هو مبين فى لائحة ترتيب المحاكم عدا دعوى النسب فى غير الوقف والطلاق والخلع والمبادأة والفرقة بين الزوجين بجميع أسبابها المشار إليها فى المادة السادسة من اللائحة فإنها تكون من اختصاص المحاكم الابتدائية وتختص المحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف وفقاً لما هو مبين فى المواد 8 ، 9 ، 10 من اللائحة .

الزاوية الثالثة : وتتعلق بأوضاع القضاة والمحامين داخل هذه المحاكم حيث ينص القانون على انه ابتداء من يناير 1656 يلحق قضاة المحاكم الشرعية على اختلاف درجاتهم بالمحاكم الوطنية أو نيابات الأحوال الشخصية أو الإدارات الفنية بالوزارة وذلك بقرار يصدر من وزير العدل ويصدر قانون خاص بتنظيم شئون رجال القضاء الشرعى المنقولين إلى المحاكم الوطنية (مادة 9) .

أما بالنسبة للمحامين فنص على أنه : استثناء من أحكام القانون رقم 98 لسنة 1944 الخاص بالمحاماة أمام المحاكم الوطنية يجوز للمحامين المقبولين للمرافعة أمام المحاكم الشرعية الحضور فى الدعاوى التى كانت تدخل فى اختصاص تلك المحاكم – أمام المحاكم الوطنية على أن يقتصر حضور كل منهم على الدرجة التى هو مقبول للمرافعة أمامها فى المحاكم الشرعية وللمحامين المقبولين أمام المحكمة العليا الشرعية المرافعة أمام محكمة النقض أيضاً فى الدعاوى المشار إليها ، ويصدر قانون خاص بتنظيم قيدهم فى الجدول وحقوقهم وتأديبهم وما إلى ذلك (مادة 10) .

ونص القانون على وجود تنفيذ الأحكام الصادرة فى مسائل الأحوال الشخصية وفقاً لما هو مقرر فى لائحة الإجراءات الواجبة اتباعها فى تنفيذ أحكام المحاكم الشرعية فى أبريل 1907 (مادة 12) ، كما نص على إلغاء كافة التشريعات التى سبقته بخصوص هذا الموضوع (مادة 13) وتنفيذ الوزراء كل فيما يختصه من هذا القانون (مادة 14) .

التبرير الرسمى للقانون : ان تحليل الأوضاع السياسية والاجتماعية التى عاشتها مصر إبان إصدار هذا القانون ، يشير بأن صراعاً على السلطة كان قد حسم إلى أحد فريقى الثورة بعد ثلاث سنوات من قيامها وهو الفريق الذى يتزعمه عبد الناصر وأن صراعاً آخر مع قوة سياسية مناوئة هى الإخوان المسلمين قد حسم لصالح نفس الفريق ، وأن عملية الجلاء للقوات البريطانية كانت على وشك الانتهاء وإرهاصات المواجهة مع الغرب من خلال الحديث عن صفقة تشيكية للأسلحة وعن احتمالات تأميم شركة قناة السويس ، كانت قد بدأت فى الظهور .

وفى ضوء هذه التطورات والأوضاع المتصاعدة أتى القانون السابق ليقدم نفسه كتطور سياسى هام فى سياق الأوضاع المحيطة ، حيث عبر عن ثلاثة توجهات وأهداف وطنية تضمنها التفسير الرسمى للقانون فى شكل مذكرة إيضاحية سيقت كمبرر لقانون الإلغاء ، وهذه الأهداف هى تأكيد سيادة الدولة الوطنية ، ووحدة النظام القانونى الكاملة ، وإصلاح الأخطاء والعيوب التى لحقت بنظام القضاء . وهو عين ما إستهدفه قانون تطوير الازهر رقم 603 لسنة 1961 والذي هدف الي عصرنة الازهر وتحديث آليات عمله وإنشاء جامعات وتعليم ديني- وطني بداخله  مع ربط  للازهر بقضايا الدولة والثورة بعد فترة طويلة من عدم التجديد والتطوير للازهر الشريف ..وبالفعل تحول الازهر الي واحدة من أهم ادوات الدولة الناصرية في مواجهة أعداء الخارج ومتطرفي الداخل من دواعش ذلك الزمان والذين  مثلهم (الاخوان وتنظيماتهم السرية  الانقلابية ) خير تمثيل . 

******** 

لقد فهم عبدالناصر الدين فهما ثوريا فكان التغيير والتطوير ..ثوريا لكل المؤسسات الدينية  لكي تواكب حركة الحياة ..ولعله الدرس البليغ الذي نحتاجه اليوم في عالمنا العربي والاسلامي في مواجهة الدواعش الجدد  الذين صنعوا علي أعين  أجهزة المخابرات الغربية لتفكيك الامة  وخلق الفوضي  والدمار بداخلها بإسم الاسلام ..والاسلام منهم براء