التجديد الحق فى الأزهر!

بقلم د . رفعت سيد أحمد

قبل أيام أعلن فضيلة الامام الاكبر شيخ الازهر  بيانا مهما عن ضرورة التقارب المذهبي ودرء الفتن وأهمية الحوار بين أتباع المذاهب الاسلامية المختلفة خاصة  أتباع المذهبين :الشيعي والسني  ..وكان بيانه في الرابع من شهر نوفمبر الماضي  في البحرين  وجاء في سياق  الكلمة التي ألقاها في ختام ملتقى البحرين للحوار، “الشرق والغرب من أجل التعايش الإنساني”، بحضور البابا فرنسيس، وتوجه  بنداءه إلى “علماء الدين الإسلامي في العالم كله على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم ومدارسهم، للمسارعة إلى عقد حوار إسلامي-إسلامي جاد من أجلِ إقرار الوحدة والتقارب والتعارف، تُنبَذ فيه أسباب الفرقة والفتنة والنزاع الطائفي على وجه الخصوص”. وأضاف شيخ الأزهر: “هذه الدعوة، إذ أتوجه بها إلى إخوتنا من المسلمين الشّيعة، فإنني على استعداد، ومعي كبار علماء الأزهر ومجلس حكماء المسلمين، لعقد مثلِ هذا الاجتماع بقلوب مفتوحة وأيد ممدودة للجلوس معاً على مائدة واحدة“د  

*****   

                      رغم انى لا اعرف فضيلة شيخ الازهر الامام الاكبر د. احمد الطيب معرفة شخصية الا اننى اكن له تقديرا خاصا  ومحبة كبيرة  منذ تولي مشيخة الازهر .. لسماحته واعتداله واستنارته  والتي  ازدات  قوة بعد بيانه الاخير

*ان الرجل قاد خلال السنوات الماضية قاد  سفينة الازهر  بنجاح  رغم الامواج  ما بين سلفية  جاهلة الى علمانية مخاصمة للدين والناس الى شباب ازهرى مخلص يريد دورا اكثر تأثيرا للازهر فى المجتمع والعالم – وسط هذا جميعه  حاوال د- الطيب ان يقود الازهر  ويثور به ومن اجله  واحسبه نجح  او على الاقل فى طريقه للنجاح وما وثيقة (المواطنة) وقبلها اللقاء مع كافة القوى والتيارات الاسلامية والوطنية  علي إختلاف مشاربها  داخل مصر وخارجها… بل ودعوته للفرقاء  فى الازمة الليبية  لحوار يجمع طرفيها على مائدة الازهر بعيدا عن عملاء حلف الناتو،،كل هذا ليس سوى ثمرة  من ثمار  التجديد الحق الذي  نرجو ان يظل  د- الطيب  متمسكا به-  ان كل هذة الامال والمحاولات لقيادة  سفينة الازهر  تدفعنا الى الكتابة عن الازهر واهمية استعادة دوره  ووسطيته  التى هى  فى عرفنا السياسى بمثابة (ثورة) و(بوصلة) لقيادة الامة  فى هذة المرحلة الصعبة التى  تمر بها                        

*****                                            

                              بداية يحدثنا التاريخ ان  الازهر الشريف قد تميز بما تميزت به الشريعة الغراء من الوسطية والاعتدال ، يقول الله تعالى : (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس …. )

كما تميز الأزهر بالبعد عن الغلو والتعصب الممقوت والتشدد المنفر الذى ظهر فى هذه الأيام على أيدى الدواعش القدامي والجدد …كما تميز الأزهر بالبعد عن رمى الناس بالكفر أو التبديع أو التفسيق ، فكانت الدقة لدى علمائه فى وضع النصوص فى مكانها ومعناها الصحيح ، فلا تستخدم أية ـ نزلت فى الكفار ـ فى محاربة المؤمنين وإخراجهم عن ملة الإسلام . فهذا ما لجأ إليه الخوارج فى كل عصر وزمن ، وقد ورد عن عبد الله بن عمر   أنه قال : شرار خلق الله الخوارج عمدوا إلى آيات نزلت فى المشركين فجعلوها فى المسلمين ، وقال ذلك ابن عباس أيضا ، كما ورد فى بعض الروايات .

وهذا التميز ، وكما قلنا من قبل ، إنما هو منهج الاسلامي الصحيح، فقد ورد عن الإمام مالك قوله : لو سمعت الرجل يتفوه بالكلمة تحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجها وتحتمل الإيمان من وجه واحد ، حملتها على الإيمان .

كما تميز الأزهر بالتمسك بالدعوة إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بما هو أحسن ، يقول الله عز وجل :{ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[النحل125] .

كما تميز الأزهر بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى رفق ولين والتزام بما أمر الله به فى قوله تعالى:{وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[آل عمران104] .

كما تميز الأزهر بأنه لا يحكم على الناس بالظن ، وإنما يقدم حسن الظن ، التزاما بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إنى لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم ”  ، والتزاما أيضا بما بينه فى حديثه العظيم الذى قام عليه جل الدين الحنيف ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: : ” إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى “

وهذا هو ما يوافق العقل والمنطق ، فإذا قال شخص قولا أو تفوه بكلمة تحتمل معنى معينا ، أو قال رأيا معينا ، لا ينبغى أن يحمل على جانب دون آخر ـ كما قال  الإمام مالك ـ  لأن الألفاظ قد تستعمل مرة على سبيل المجاز وقد تستعمل مرة أخرى على سبيل الحقيقة ، والألفاظ قد يسند الفعل فيها مرة إلى الكاسب ، وقد يسند الفعل مرة أخرى إلى الفاعل الحقيقى ، وهو الله سبحانه تعالى ، وهذا لا يستطيع أن ينكره أحد ، لأنه فى استعمالات اللغة ، وواضح فى آيات القرآن الكريم. فلو نظرت فى قوله تعالى : {وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[النور46]  وجدت أن الفعل يسند إلى الله على سبيل الحقيقة ، فهو الهادى سبحانه وتعالى ، ولو نظرت فى قوله تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[الشورى52] وجدت أن الفعل يسند إلى النبى صلى الله عليه وسلم على سبيل الكسب ، فهو الهادى ، أى المنذر ، أو المبشر ، أو المبين للناس .

************

فى عهد د- احمد الطيب  وقبله بمئات السنين تميز الأزهر بتبنى الوسطية فى أمور كثيرة ، كما تبنى الاعتدال فى الآراء فى أمور عديدة ، فمشى على منهج الأسلاف ، ومنهج الجمهور من العلماء .

ظهر هذا فى قضايا الحج وفتاواه : حيث إنه قد تبنى الآراء التى تيسر على الناس هذه الفريضة التى يكثر فيها الزحام ويكثر فيها الحرج والضيق إذا مشى الحاج على التشدد ، وقد قال الله تعالى : ( وما جعل عليكم فى الدين من حرج ) ، كما تبنى التيسير فى قضية الحجاب وبنى رأيه فى النقاب بعدم اعتباره فرضا على ما ذهب إليه الجمهور من العلماء أيضا ، كما تبنى رأيه فى الزكاة خاصة زكاة الفطر ، حيث تبنى رأيه الذى ذهب إليه الخلفاء الراشدون والبخارى الحنفى وسعيد بن المسيب والحسن البصرى وسفيان الثورى وأبو حنيفة وغيرهم ممن ذهب إلى جواز القيمة فى هذه الزكاة ، تيسيرا على الناس ووصولا إلى مصالحهم التى تقتضى أن تكون كذلك .

وهناك قضايا كثيرة تبنى فيها الأزهر الرأى الراجح لدى الجمهور ، أو الرأى الذى يرونه ميسرا لمشاق الحياة ، ولم يخرج عن هدى الشريعة وأقوال الأئمة من الفقهاء المعتمدين .

ومن الجدير بالذكر أن نتكلم أيضا عن التعليم الآزهرى ، حيث إن هذا التعليم ـ المتنوع والدارس لكافة الآراء والمنفتح على التراث الدينى العظيم ـ هو الذى يؤدى بالطلاب ـ الذين سيصبحون علماء فى المستقبل ـ إلى هذا الأسلوب الدعوى الجميل .

هذا التعليم الأزهرى متنوع ، فبدءا من التعليم الثانوى ، والذى يسبق الجامعة يتعود الطالب على دراسة المذاهب المختلفة فى دراسته للفقه ، فيدرس الفقه على المذاهب الأربعة .

وفى الدراسة الجامعية يتعرض الطالب لدراسة المذاهب الفقهية الثمانية ، الأربعة السنية (مذهب الإمام أبى حنيفة النعمان ، ومذهب الإمام مالك ، ومذهب الإمام الشافعى ، ومذهب الإمام أحمد بن حنبل) ، بالإضافة إلى مذهبين من مذاهب الشيعة (الشيعة الزيدية ، والشيعة الإمامية) ، كما يدرس أيضا مذهب الإباضية (وهى فرقة معتدلة من فرق الخوارج) ، كما يدرس مذهب الظاهرية ( وهو مذهب داود الظاهرى ثم ابن حزم والذى تجلى فى كتابه المحلى )

كما يدرس الطالب المدارس والمذاهب الكلامية المختلفة ، كالأشاعرة ، والماتريدية ( وهما قد أسسا مذهب أهل السنة ) ، والمعتزلة ( وعلى رأسهم واصل بن عطاء الذى اعتزل الحسن البصرى وكون مذهبه الكلامى ، وهؤلاء المعتزلة كان لهم الفضل فى دحض آراء الملحدين فى بداية نشأتهم وعبر العصور المختلفة )  ، يتعرف الطالب على هذا كله مع معرفته ترجيح الآراء .

*إذا ، فالطالب فى الأزهر معرفته متنوعة ، ويتعود منذ نعومة أظفاره على رؤية الاختلافات الفقهية التى نشأت بعد أن لحق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى .

وكان الأزهر على طريقة اشيوخ الاسلام الحق  يرفض التكفير الذى يهدد الأمة ، وينال من وحدتها ، ويفرح أعداءها ،   والأزهر منذ إنشائه يسعى إلى التقريب ، حيث  التعليم به يقوم-كما سبق وأشرنا- على التنوع فى دراساته للآراء والمذاهب المختلفة ، كما سبق أن ذكرنا ، وفى ذلك محاولة للتقريب ، فدراسة المذاهب والاطلاع على الآراء المختلفة يعطى هذه الفرصة للتقارب لا للتشاجر .

وقد أنشئ فى الأزهر منذ حوالى ستين سنة دار التقريب بين المذاهب الإسلامية وكانت فى حينها ثورة وما احوج مصر  والامة مثلها لتحصن نفسها من الجراد الداعشي   الزارع للفتن والعابر للحدود والمدمر لدين محمد ورسالته التوحيدية ولذلك كانت الدعوة الاخيرة لشيخ الازهر من (البحرين ) ذات دلالة تاريخية مهمة ..مطلوب البناء عليها .

*************

 وفي هذا السياق للتقريب بين المذاهب والوحدة الاسلامية  يذكرنا التاريخ بتلك الفتوى  الشهيرة للشيخ شلتوت شيخ الأزهر الأسبق بأن المذهب الشيعى الجعفرى يعد مذهبا خامسا يجوز التعبد به كبقية المذاهب الإسلامية .

وهذه الفتوى أنارت الطريق أمام الذين يسعون إلى التقريب بين المذاهب الإسلامية ، وإلى وحدة المسلمين فى كل مكان ، وقد أيد كثير من علماء الأزهر هذه الفتوى وهذه الوجهة التى قال بها الشيخ شلتوت ، من هؤلاء العلماء شيخ الأزهر الحالى .

ومما يدل أيضا على اتجاه الأزهر بالوحدة بين الشيعة والسنة هو ما أقره ووافق عليه الأزهر فى إعداد قانون الأسرة ( الأحوال الشخصية والمواريث ) فقد استعان معدو القانون ببعض الآراء للشيعة الإمامية ، كالطلاق المتعدد يقع طلقة واحدة ، وكالطلاق المعلق وحكمه ، وكالوصية للوارث فى حدود الثلث … إلى غير ذلك من المسائل التى تبين أننا كلنا مسلمون نعيش تحت راية واحدة ، ونتقرب إلى إله واحد نعبده ، ونستقبل فى صلاتنا قبلة واحدة ، ونؤمن برسول خاتم واحد هو محمد صلى الله عليه وسلم .

فالأزهر يسعى فى وسطيته إلى لم شمل المسلمين فى كل مكان ، ويسعى إلى وحدتهم ، حتى يكونوا قوة أمام أعدائهم ، بعكس ما نراه فى هذه الأيام من إطلاق دعوى التكفير على هذا وذاك بغير مبرر وبغير ضرورة ، فما دمنا داخل دائرة الإسلام فلا داعى لأن يتهم بعضنا بعضا بالكفر ، كما فعل ولايزال يفعل الدواعش القدامي والجدد والذين ترعاهم دوائر الاستخبارات الاجنبية العدوة لهذة الامة ولوحدتها ..هذا هو الازهر كما كان وكما ينبغى ان يكون فهل  يستطيع  فضيلة الدكتور الطيب  ان يعيده لدوره الريادى بعيدا  عن تيارات الغلو القادمة لنا من صحراء  الفكر الداعشي   الجاهل والمدمر ؟ سؤال جاءت إجابته القاطعة مؤخرا من مؤتمر البحرين ومن بيان شيخ الازهر  فيه والداعي وبقوة علي وحدة الامة  وتماسكها ضد دواعش الفكر وجهلة السياسة  وعملاء الاستخبارات الذين يكرهون  (وحدة الامة )  لانهم يعلمون  جيدا أن في هذة الوحدة  قوة  وفي تلك  القوة ..نهاية للاحتلال والاستعباد والتبعية وباقي منظومة التخلف  في عالمنا العربي والاسلامي …والله أعلم …